كان لي عيدٌ في المدينة المنورة، وأنا إذ ذاك في بعض أثقل أيامي، وكنت مثل طير قد كُتِب له عيدٌ في الحرم، وهو يمضي إلى الشتات.
في صلاة العيد، الإمام يخطب، والحلوى تدور، والأطفال يلعبون، وفجر المدينة ينسكب، فاجتمع كلّ ما فيّ من شتاتٍ وشوق، فبكيت..
وبجواري سيدة، من الجزيرة، تدير الحلوى والقهوة على صاحباتها، وهي تنتقد من يبكي في يوم العيد؛ أنه يوم فرح، بصوتٍ يتطاول إليّ، وليس من يبكي في الصفّ سواي.
في منتصف ذلك اليوم، عند مدخل الروضة، سيداتٌ متحلقات، وبينهن سيدة مصرية تبكي وهي تشكو لصاحبتها التي تواسيها، فاستلّ هذا المشهد من صدري ما بقي من دموع الصباح وبكيتُ.
مدّت السيدة يدها تربت على حجر ي، ونهرت صاحبتها -التي تبكي وتشكو- بلطف أنْ قلبتي المواجع وفتحتي الجروح يا فوزية ..
فعرفت حينها أن العيد ليس أن لا تحزن، ولكن أن تجد عيناً تنظر بلطف أو يداً تربت بحنان..
وأنّا نهَبُ العيد معناه حين لا نؤذي أحداً، وأن لا نحكم على المثقلين بالفرح، وأن نترك العيد يؤتي النفوس معناه ..