في معرض الكتاب الأخير، وجدت كتاب (الأم الغائبة عاطفياً: كيف يمكن تحديد وعلاج الآثار الخفية للإهمال العاطفي أثناء الطفولة ؟)، مترجماً، من منشورات دار تهتم -اهتماماً خاصاً– بالتربية الإسلامية والفكر.
- عنّي:
لفت نظري أن داراً مثل هذه اهتمت بترجمة هذا الكتاب ونشره –ولستُ أنتقد هذا من أي وجه، بل أسجل انطباعي النفسي، الأول-. لفت نظري ذلك، من حيث أننا في علاقتنا مع الأم نحوطها دائماً بما ينزهها عن احتمال النقص والعيب من كل جهة، بوصايا حسن الصُحبة وخفض الجناح، والبرّ، والتأثّم من العقوق، وهذا جعلني أشعر أننا لا نكاد نناقش وجود عطب – سوى في حدود التوصية بالإعذار والذل من الرحمة، ورأيت أن في نقل هذا الكتاب اعترافاً بوجود مشكلات، يُتطلّب إصلاحها!
أثار الكتاب المترجم اهتمامي، ولأن الدار تطبع كتبها مغلفة بغلاف نايلون، حمّلتُ نبذة عن الكتاب من موقع الناشر، حين عُدت من المعرض، ثم قررت أن أستمع للكتاب (بنسخته الأصلية) (فعندي رصيد يكفي لتحميل مقترحات جديدة من الكتب الصوتية).
وأظن أني حين بدأت أسمع الكتاب كنت أستبطن في تلقيه موقف الفاحص المتحفز، إذ كان عقلي الباطن، الأمين على الثقافة والتنشئة، يقول لي: الأمهات لا يؤذين، وكل ألم يُتوهّم من جهة تربيتهن هوالة**، وإنما هي التربية؛ لها منّة عليك أنْ شدّت عودك فأعدّتك لمجابهة هذه الحياة.
- عن الكاتبة
ياسمين لي كوري، معالجة نفسية مرخصة، حاصلة على درجة الماجستير، تدرّس علم النفس، وتكتب المقالات، متخصصة في مجال علاج البالغين من آثار أذى تعرضوا له في الطفولة، وتقول أنها عانت من الإهمال العاطفي في الطفولة، ولها رحلتها الذاتية في التعافي، ولها كتاب (نُشر عام ٢٠٠٧) : دليل ذاتي للتعافي من الألم:
Healing from Trauma: A Survivor’s Guide to Understanding Your Symptoms and Reclaiming Your Life
- عن هذا الكتاب
يهتم هذا الكتاب بمعالجة الآثار الناتجة عن غياب الحب في الطفولة، يمثّل دليلاً ذاتياً للبالغين، يقدم إجراءات وخطوات تساعد المرء على التعويض عن العاطفة المفقودة في الطفولة، والكتاب غير موجّة لمن عانوا معاملة سيئة في الطفولة، وإنما لمن كان تواصلهم مع أمهاتهم لا يفي بحاجتهم للحب. نُشِر الكتاب عام ٢٠١٠، ثم نُشرت طبعة ثانية مُعدّلة عام ٢٠١٧ (وهي الطبعة المترجمة).
استمعتُ للكتاب وأنا غير مقيمة ولم أقرأه قاعدة، وأكتب هذه الشذرات/ الفقرات مما علق بذاكرتي أو لفت انتباهي:
في الفصول الأولى قالت الكاتبة أن My Mother Myself أي أن تصوراتنا عن أنفسنا تُطابق ما تراه الأمهات فينا ويعبّرن به لنا أو عنا. ذكرني هذا باقتباس قرأته مرّة: “الطريقة التي نحدّث بها مع أبناءنا تصبح هي صوتهم الداخلي“. وردت هذه الفكرة في الفصول الأولى، وقالتها الكاتبة ونقلتها بأكثر من عبارة.
في الفصل الحادي عشر، ناقش الكتاب دور المعالجة النفسية، أو الزوج أو الرفيق، في تمثيل/ اتخاذ دور بديل للأم الواعية، في تمرينات أو جلسات علاج محددة ومخصوصة، وناقش أخلاقية قيام المعالج النفسي بهذا الدور (وهو ما فاجأني، بمعنى أني لم أتوقع أن يتخذ العلاج النفسي هذا الإجراء: قيام المعالجة بدور بديل للأم الواعية في جلسات مخصوصة).
في الفصول الثلاثة الأخيرة؛ في الفصل الثاني عشر: ناقشت الكاتبة قيام المرء بإجراءات من شأنها أن تَفعل فعل التعافي الذاتي، في حال غياب الشريك أو عدم إمكانية وجود معالج، عددت الإجراءات هذه، ومنها الكتابة، ودور الخيال guided imagery، وتعداد النعم، وتعداد المهارات والخصائص النفسية وغير النفسية التي يملكها المرء -مهما صغرتْ في عينه- وما يمكن أن يُثمر عنها إن هو استثمرها. وحاججت لاحقا بأنه بإمكان المرء (البالغ) أن يحظى بطفولة سعيدة (عبر تعديل ومعالجة آثار الطفولة في نفسه).
في الفصل الثالث عشر (وهو الفصل الأهم في تقديري) قالت بأن عليك مراجعة فهمك/ تصوُّرك عن قصتك على نحو موضوعي، فليس فهمك لقصتك (التي هي خلاصة ما مررت به في علاقتك بالأم) مُعبِّر –على كل حال– عن حقيقة ما مررت به، وعليك أن تعيد إدراك تجربتك إدراكاً موضوعيا، واقترحت طرقاً لذلك. ثم عليك أن تدرك تجربة الوالدة؛ قصتها وتجربة طفولتها، وتقول أن الموَّفق مَن كَسرَ هذه الحلقة ولم يمرر سلبيات تجربته في تجربة والديته إذا ما صار والداً.
وفي سبيل تحقيق ذلك، قالت: عيّن جوانب من معاناة الأم على سبيل التفهم، وجوانب من مشكلات العلاقة معها، ثم اختر عدداً يتراوح بين تسع واثنتي عشرة نقطة منها لمعالجتها ما أمكن.
ثم في الفصل الأخير قالت –ما يقال في كل علاقة– أن عليك نفسك، وسعيك قد لا يضمن استجابة الطرف الآخر في العلاقة، والأمهات -مثل كل الأفراد– تختلف استجاباتهن باختلاف استعدادهن وإمكانياتهن وأن الكتاب –على كل حال- يستهدف التعافي الذاتي من الندباب والآثار وليس إصلاح العلاقات.
الكتاب مفيد، وفيه إجراءات عملية يمكن تلخيصها.
هامش:
** يستحي أهل نجد من تفحّص ألامهم أو إطالة زمن أحزانهم، مثل بدويّ يستحي من طول مُكثٍ في المدينة.
رفّ؛
د. عماد رشاد طبيب نفسي، يتحدث هنا عن أثر إساءات الوالدين والتعافي منها، وله كتاب عن هذا.