أن يسافر كتاب ..!

 

التقيتُها في محطة الباص .. فتاةٌ سعودية منقبة.. تدرس الماجسير في الدراسات الإسلامية ..

كانت مهتمة بالإعداد لـ عَرض شفهي لأحد المقررات الدراسية، يتناول موضوع “تطبيق” الشريعة من جهة الإمكان الواقعي، ويتبنى الدكتور فرضية عدم إمكانية التطبيق باعتبارها نصوصاً نظرية أثبت الواقع عدم إمكانية تطبيقها ..

وتتبنى هي فرضية “واقعية” الشريعة .. وتحاول التدليل عليها ..

غير أن الفكرة العميقة لا يكفيها مجرد الإيمان الشعوري الحار بها لِتُثبتَ صدقها ..

الفكرة العميقة لا تربكها افتراضات نقضها ..

الفكرة العميقة لا تحتاج لتسويق .. ولا تخاف من العقول الأخرى بل تتسع لها ..

–   “الحماس لا يكفي يا نجود .. والدكتور بنى فرضيته على استقراء الواقع .. العقول الأخرى يمكن أن تثبت أصالة الفكرة الأصيلة..

لن تحتاجي لمحو فكرته حتى تكتبي فكرتك .. الفكرة العميقة .. كالنور .. رحبة لا يُقلقها الزحام ..”

وجلسنا على عجلٍ في المقهى .. وكتبنا على ظهر ورقة .. وخربشنا ..

وأَعَرتُها كتاباً من مكتبتي الصغيرة ..

وبعد أسابيع .. مدّت لي نجود الكتاب وهي تقول: “الدكتور عَجَبو العرض مررره .. قال أول مرة طالب يعرض الموضوع بطريقة “مودرن” ..!

وكانت مبتهجة .. بينما أحسستُ بوخزة ..


لم أكن منشغلة بمسألة أن تنجح نجود بإثبات فرضية “إمكانية تطبيق الشريعة” وتنقض افتراضات الدكتور .. لم يشغلني ذلك ..!

كان يهمني أن تعرض نجود فكرتها بكفاءة ورحابة .. وتقول للدكتور:”صح” إذا أصاب ..

الفكرة الأصيلة تكتب ذاتها .. دون أن تمسح الآخر ..


كتب

في المكتبة .. سترى الكثير من الطلبة -غربيين وشرقيين- يفرشون على الطاولات كتبهم .. يدرسون حول اللغة العربية .. العروبة .. الجهاد .. السلام .. الحقوق والحريات في العالم العربي والإسلامي ..

هم يدرسون “الواقع” .. ويقرؤون “النظرية” ..


لا شيئ سوى كتاب ..!

يمكننا أن نقول الكثير للعقول التي تقرأ .. حين نهديها كتاباً ..

يمكننا أن نفتح نوافذ الربيع .. في دفتيّ كتاب ..

وهل أجمل من أن يسافر كتابٌ عربيٌ لمكتبةٍ لا تملّ القراءة ..!

وراسلتُ مجموعة من الناشرين بشأن إهداء بعض المراجع العربية العريقة من جهة، وبعض الأبحاث الجادة التي تتناول مسائل الحقوق والحريات وإشكاليات تطبيق الشريعة من جهة أخرى، لمكتبة جامعة بريطانية مهتمة بالدراسات العربية والإسلامية ..

لَم أختر كتباً تتبنى وجهة نظر بعينها .. كنت أبحث عن عقل عربي يعبر عن فكرته بكفاءة .. أياً كانت فكرته ..

كنتُ أريد للعقل العربي أن يكون شريكاً في صياغة “الواقع” العربي .. بعدما أوشكت مكتبة الجامعة أن تقتصر على الكتب العربية والإسلامية التراثية .. أو التي كتبها باحثون غربيون ..

كتب الشبكة

وطرق ساعي البريد بابي هذا الصباح –مع طرقات المطر- .. وسَلّمني الكتب .. وحملتها إلى مكتبة الجامعة .. وأهديتها المسؤول عن الكتب العربية والإسلامية – اسمه (أفضل)، بريطاني من أصول آسيوية .. يجيد العربية والإنجليزية- ..

كان (أفضل) سعيداً جداً .. مهتماً بالعناوين .. شكرني بالعربية ..

ثم ما إن خرجتُ من مكتبه حتى بعث لي بإيميل ..

photo (17)


بإمكانك إن كنتَ مهتماً .. كاتباً أو ناشراً أن تتواصل مع مكتبة الجامعة .. أن تُهديَ كتاباً .. أو تُخبرهم بجديد إصدارات العقول العربية .. أن ترسل لهم قائمة منشوراتك ..

بإمكانك أن تبني جسراً .. أن تسافر بكتاب ..!


مات البوطي .. لكن الكتب لا تموت ..!

لا تحرقوا الكتب حتى وإن احترق بعض العلماء  ..!

11 thoughts on “أن يسافر كتاب ..!”

  1. تحية لمبادرتك.. شكرا حصة السنان على هذا التمثيل المشرف لدينك وديرتك

    مقال .. عميق .. أنيق .. رشيق ..

  2. ‘- كنت اقرأ واستمتع وحمدت الله انه لازال لقلم الرافعي وحياً من وحيهِ.
    – رائعة الطريق للوصول بالقارئ لفكرة المقال.
    – يحق لقلمك ان يكون مرفوع الرأس فهو اضافه للادب ،اللهم اجعله ذخرا للوطن وللامة.

  3. جميل جدا.. وسط زحمة القضايا التي تستنزفنا.. قليلون هم من يستطيعون التقاط الأعمال ذات الأثر الحقيقي..
    أغبطك على الفكرة وعلى المبادرة.. إضافة إلى جمال عرضها..

  4. كان الأمر السماوي الأول “اقرأ” ، وسمى الله كلامه “كتابًا” ، وجاء إقرار حقيقة وجوده العظيم الدالة إلى الإيمان به عبر هذا الكتاب ، كما جاء شرعه عبر هذا الكتاب , ووجه إلى السنة (التفصيل) عبر هذا الكتاب , ودعا إلى الاجتهاد في مالم يحسم من الأمور عبر هذا الكتاب .. أمر بعمارة الأرض وبناء الحضارة في هذا الكتاب , خط علائق المؤمنين بغيرهم عبر هذا الكتاب … إلخ
    الكتاب كلام الله
    الكتاب الطريق إلى الله
    الكتاب الدعوة إلى الله
    الكتاب المحاجة في الله
    الكتاب العلم
    الكتاب الحضارة
    الكتاب التعايش
    الكتاب … الحياة

    لكننا لا نقرأ!!

  5. ليس جديداً ان كل ما تكتبيه رائع ورصين ،، فحصة تعني الجوده عندي.. تبارك الله .. الأروع النعمة التي حباك الله بها .. لإجادة الأجر ونشر الخير .. رفعك الله وتقبل منك،،
    وبمثل هذا يقتدى ،،

  6. في كلّ مرةٍ أكتب .. أشعرُ بأنني تعلمتُ رسم الخط للتوّ ..!
    ثم حين تقرؤونني .. تصيبني دهشةٌ من جمال تعليقاتكم ..

    شكراً لكل عينٍ تمرّ على خربشاتي .. فتمنحها شيئاً من نورها ..

  7. رائعة .. أحب قلمك وأحترم خطاك الهادئة عميقة الأثر.. كل غماماتك أقرؤها بشوق ويرويني غيثها .. وفقتِ لكل خير

  8. احببت السيناريو الرائع..
    قلما نسمع عن سيناريوهات في واقعنا تكون نهايتها جميلة
    شكرا حصة

اترك ردًا

Your email address will not be published. Required fields are marked *