“قال معاوية: إذا لم يكن الهاشمي جواداً لم يشبه قومه، وإذا لم يكن المخزومي تيّاهاً لم يشبه قومه، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه قومه”. قلتُ: وإذا لم يكن السنانيُّ رَحوماً لم يُشبه قومه.
ومن جهة أخرى، فرق آخر بين (الرحمة) و(التعاطف) يتمثل في أن الرحمة ، من حيث هي شعور، غير مقدورة للعبد بتعبير الغزالي[5]، إي: لا اختيار للمرء في أن يشعر بهذا الشعور أو ذاك. وعليه، فقد يتحصل لبعض الناس من شعور الرحمة والرقة والشفقة ما قد لا يتحصل لغيرهم.
وفي حكم ابن عطاء الله السكندري: “من آذاك فقد أعتقك ..”
وفي شعوي، أن هذا الأذى المبثوث في “الفضاء” يجب أن يقابله مواساة تعبر الحدود، وتطرق الأبواب – حقيقةً لا مجازاً، وأن فضاءات “الافتراض” لا بُدّ أن تُواجَه بواقع “ملموس”.
كنتُ على مسافة بُحورٍ حين قلتُ -عفواً- لأمي:
“يمة قلوبي تعوّرني”.
ما كنت أعرف حينها لِمَ جمعتُ (قلب)، واعتبرتُها زلة لسان.
كانت إحدى الصديقات تقول أنها إذا صرخت في وجه طفلها أو علا صوتها عليه تقول له:
– آسفة ماما، ما كان لازم أفعل هذا.
– عادي ماما.
– لا ماما، مو عادي، أبداً أبداً موعادي.
كنت إذا أجلس على طاولة مقهى في العاشرة من صباح يوم من نهاية الأسبوع، يأتي رجل مسن، يرتب الصينية على الطاولة لتتسع لكوبه هو وزوجته، ويجلس أو يدعوني لطاولته، ثم يعطيني رقم موبايله دون أن أطلب، ويرسل رسالة في صبيحة كل سبت: “سنكون في شرفة المقهى بعد ساعة، لا تتأخري”.
كانت -رحمها الله- من ألطف الناس وأقوى الناس، ومن أحسن من قد يمرّ عليك خُلُقاً. وأظن أن قدراً كبيراً مما تتحلى به من حسن خلق راجعٌ إلى قَدْر ذاتها عندها.
اتصلت بي أمها المسنة:
“ألو، يا حصة، تعالي شوفي أسما”.
قالت أنها منهارة، ووصفت لي من حالها ما لا أريد أن أراه.
أغلقتُ الهاتف، ومشيتُ في الصالة الصغيرة في خط مستقيم، ذهاباً وإيابا، ثم سحبت من خزانة ثيابي أسبلَها وأيسرها ارتداءً، وخرجت.
كان مشاري العرادة -الله يرحمه- قد كتب تغريدة، منذ سنوات، أظن في ٢٠١٤ أو قبلها، عن تطبيق ختمة قرآن للشيخ ماهر المعيقلي، وأن هذا التطبيق لا يحتاج لإنترنت.