Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

فُسيفساء أسماء

اتصلت بي أمها المسنة:

“ألو، يا حصة، تعالي شوفي أسما”.

قالت أنها منهارة، ووصفت لي من حالها ما لا أريد أن أراه.

أغلقتُ الهاتف، ومشيتُ في الصالة الصغيرة في خط مستقيم، ذهاباً وإيابا، ثم سحبت من خزانة ثيابي أسبلَها وأيسرها ارتداءً، وخرجت.

مضيتُ مسرعة إلى شقتها التي تقع على بُعد دقائق من شقتي، وتيار الهواء يدخل إلي من كل جانب، ينفخ ثوبي، فكأنما أطير إليها.

سحبتُ باب عمارتها، اتجهت إلى المصعد ثم مضيت عنه أركض على الدرج.

دخلتُ الشقة دخول مُسعِف تحت التدريب، بقدر تأهبه للنجدة خوْفُه. مددتُ عنقي، استبق أجزاء الثواني إلى وجهها.

“موب فيه، راحت تجيب طفلتها من المدرسة”.

جلستُ على الأريكة ذات المقعد الواحد أنتظرها، وذقني على كفي، أتشاغل بالموبايل، تحدثني أمها بأنصاف جُمَلٍ، أردُّ عليها بمثلها.

دخلت أسماء ومعها طفلتها، وبلا كلمة احتضنتُها بكل ما أوتيت من قوة ومن شتات، ولم نقل شيئاً.

مرّ زمن على هذاالموقف، وظلت أسماء تقول: “تذكري يا حصة يوم جيتي للشقة وحضنتيني ذاك اليوم؟ يا الله، كنت قزاز مكسّر ولميتيه”.

وبقي هذا عندي مِن أرجى أعمالي.


رناد، طفلة أسماء، التي أطفأتْ شمعتها الثامنة ونحن هناك في إكستر، وصارت اليوم صبية في الثانوية، قالت لأمها، وقد عادت من المدرسة حزينة: “ليت عندي صديقة مثل حصة، يا أمي”.

هذي، والله أنصاف التمرات، تمدُّها على خُلُوّ يدك فتجيء مثل حبّات السنابل.

سبحان الله.

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات ومواد أخرى، في نشرة أسبوعية.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates