Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

عندك أحّد يدعو لك كل ليلة؟

يقول لي: “والله يا حصة، يعلم الله، كل ليلة أدعو لك”.

قال هذا منذ سنوات، وما زال يقوله.

في البداية كان يصعب علي أن أصدّق أنه يدعو لي كل ليلة، لا لشيء إلا لأنك قد تغفل أحياناً عن أن تدعو في “كل” ليلة لوالديك أو لعيالك.

– يبة، صج عمي بوعمر يدعو لي كل ليلة؟
– إي، صج. يدعو لك كل ليلة.

وكان هذا عندي من ألطف أرزاقي.

بوعمر، صديق والدي منذ ما يربو على عقود ثلاثة، صديق العائلة، يرافق أبي مراتٍ حين كان يأخذنا من المدرسة، يحمل حقائبنا أنا وأختيّ، يتفحص أثرها على كفّي (قبل أن تُبتكر حقيبة الظَهَر).

يصاحب أبي إلى المستشفى في عارض أصاب سمية واستلزم غرزات على ظاهر قدمها. أبي يقرأ (رسالة المسترشدين) في ممر الانتظار مُسنِداً عَقِبه الأيمن على ركبته اليسرى، وأبوعمر يزعج الطبيب، يطرق الباب كل خمس دقائق ليسأل عنها.

يقول لصهيب، إذا ألحّ على أبي بطلب، وهو طفل لحوح، عاقداً ذراعيه على ظهر مقعد سيارة الشفروليه – ورأسه بين رأسيهما، لا يملّ من إلحاحه حتى يملّا ، يقول له:
“أنا لو عندي ولد، أعطيه اللي يبي على طول”.

فيضحك أبي ويهز رأسه: “بوعمر يُفسد أولادي عليّ”.

لم يُرزق ولداً، ولا بُنيّة. واتّخذَنا أولاداً، يمطرنا بشعوره الأبوي.

ثقل خاطره يوماً على والدي، يدعوه فلا يريد أن يجيب الدعوة، ويعتذر، فقلت لأبي، وأنا أسمع تحاورهما على الهاتف:

“قول لعمي بوعمر (ماما حصة) تقول لك تعال”.

وينقل له أبي الرسالة فيأتي، وينحل ما كان في خاطره.

عتب مرّة على والدي -وقليلاً ما يعتب-، فكلمني، فقلت:
– “يا عم، جهّز قهوتك، الوالد المغرب عندك”.

واتصلت بأبي لأخبره بالموعد “المتفق عليه مسبقاً” فضحك.


كان يُجلسني في حجره وأنا طفلة لم أتمّ السادسة، يقول لي:
“أنتِ حصة، أمي حصة، أنتِ أمي”.


عندك أحد يدعو لك كل ليلة؟

عندك أحد أوتي الأبوة في نفسه، فكان أباً؟

قد يؤتى أحدهم الأشياء ولا يُرزق معانيها، وقد تفوت أحداً الأشياء ويؤتى ما تنطوي عليه من المعاني والأرزاق.

سبحان الله.

2 تعليقات

  • Asma al-Shaiban
    Posted 25 نوفمبر, 2021 at 8:53 ص

    جميييييييل جداً الله يحفظه و يكثر من أمثاله.

  • متابع
    Posted 3 سبتمبر, 2023 at 10:44 ص

    و لا زالت هناك نسوة تدعو لك و تتذكرك لأكثر من 10 سنوات ، طبعا لم و لن يكن مثل أبي عمر، كنتي و لا زلتي بلسما للكثير دون أن تعرفيهم
    عسى الرحمن يحفظك و يسعدك

أضِف تعليقاً

اشترك في القائمة البريدية، تصلك آخر التدوينات ومواد أخرى، في نشرة أسبوعية.

Sign Up to Our Newsletter

Be the first to know the latest updates